مقالة فلسفية : اصل الرياضيات العقل ام التجربة الحسية

 مقالة فلسفية : اصل الرياضيات العقل ام التجربة الحسية 

زوار وتابعي موقع ديزاد باك التعليمي مرحبا بكم في هذا المقال الجديد، الذي بحول الله سنشارك معكم من خلاله مقالة اصل الرياضيات من اعداد الأستاذ خليل سعيداني 

مقالة فلسفية : اصل الرياضيات العقل ام التجربة الحسية

طرح المشكلة

تعتبر الرياضيات من أكثر العلوم دقة ويقينا في مبادئها ونتائجها، فهي تعد علما يقوم بدراسة المقادير القابلة للقياس، بمعنى تدرس كميات منفصلة وتخص مجال الجبر وكميات متصلة وهي الهندسة، وحول أصل الرياضيات حدث جدال في الأوساط الفلسفية، فانقسم المفكرون في تفسير نشأة المفاهيم الرياضية إلى نزعتين، نزعة عقلية أو مثالية يرى أصحابها أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل وبالتالي فهي فطرية ونزعة تجريبية أو حسية يذهب أنصارها إلى أن المفاهيم الرياضية يكتسبها الإنسان عن طريق تجربته الحسية، فهل يمكن القول إن نشأة المفاهيم الرياضية عقلي أم حسى؟

محاولة حل المشكلة

الموقف الأول:
يری العقليون أن الرياضيات أصلها يعود إلى العقل باعتبار أن العقل يعتمد على مبادئ فطرية سابقة عن التجربة الحسية وتتميز هذه المبادئ بالدقة والبداهة والوضوح، فكل ما يصدر عن العقل من معاني ومفاهيم يعتبر ضروريا وكليا ومطلقا، وبالتالي فالرياضيات هي جملة من المعاني والمفاهيم التي أنشأها الذهن دون اللجوء إلى الواقع الحسي التجريبي مثل المكان الهندسي والخط المستقيم ومفهوم اللانهائي وغيرها من المعاني الرياضية عقلية مجردة ولا وجود لها في الواقع الحسي، وهذا ما أكده كل من أفلاطون و ديكارت وكانط، الذين اعتبروا أن أصل كل المفاهيم الرياضية هو العقل أفلاطون اعتبر أن كل المعارف و الحقائق توجد في عالم المثل من بينها الرياضيات التي تمتاز بالمطلقية والكمال والثبات ولا تستطيع وصول إلى هذه المعارف الا بالعقل وحده فهو الذي يدركها و يقول في هذا الصدد: "المعرفة تذكر والجهل مان"، وهذا ما أكده أيضا ديكارت باعتباره أن المفاهيم الرياضية اصلها عقلي لأن المعاني الرياضية حسبه في أفكار فطرية موجودة مع وجود الإنسان مثلها مثل فكرة الله وهذه الأفكار تتصف بالبداهة واليقين و البساطة، وفي هذا يقول: "سواء كنت نائما أو يقضا فان 3 و2 إذا اجتمعتا فإنهما يكونان 5 والمربع يكون إلا أربعة أضلاع فطرية"، ويقول أيضا: "المعاني الرياضية فطرية أودعها الله فينا منذ البداية" ويضيف "كانط" القول بأن فكرتي الزمان والمكان عقليتان ولا علاقة لهما بالواقع وبالتجربة والرياضيات قائمة على هذين المبدأين، فالزمان يقدر بالجبر والمكان بالهندسة، كما أن هناك طبيعة في المفاهيم الرياضية فالكثير منها مجردة ذهنية كالدوال، واللانهايات، والمتتاليات، والكسور، والأعداد والطبيعة لا تحتوي على هذه الموضوعات الرياضية العقلية.

النقد:
نحن لا ننكر أهمية العقل في إدراك وإنشاء المفاهيم والمعاني الرياضية إلا أنه لا يمكن أن ترتبط فقط بالمعطيات العقلية بل يمكن أن ترتبط أيضا بالتجربة والواقع الحسي والدليل على ذلك طريقة تعلم الأطفال للمفاهيم الرياضية والتي تتم من خلال الاعتماد على أشياء حسية.

الموقف الثاني:
يرى الحسيون أن المفاهيم الرياضية مأخوذة من التجربة الحسية والملاحظة العينية، أي أن المفاهيم الرياضية ليست فطرية في العقل بل هي مكتسبة عن طريق الحواس وأكتسبها العقل بالملاحظة والتجربة، وبالتالي فهي مستمدة من المحسوسات أي أن الرياضيات أصلها يعود إلى التجربة فالمعاني والأفكار الرياضية لم تأتي من العدم وبالتالي فهي ليست فطرية خالصة بل هي مستمدة من الواقع الحسي وهذا ما أكده کل من "جون لوك وجون ستيوارت مل و دافيد هيوم" حيث اعتبروا أن الواقع الحسي آو التجريبي هو المصدر اليقيني لكل المعارف أي بمختلف الأفكار والمبادئ وبهذا فالتجربة هي أصل الرياضيات وفي هذا يقول ديفيد هيوم: "لا يوجد شيء في الذهن ما لم يوجد من قبل في الحس"، ويقول ج س میل: "إن القضايا الرياضية عبارة عن تعميمات مصدرها التجربة"، ويقول دافيد هيوم: "كل ما أعرفه قد استمدته من التجربة"، وما يؤكد ذلك أن الطبيعة تحتوي على أشكال هندسية بدلیل قرص الشمس الذي أوحى بفكرة الدائرة والجبل بالمثلث، هذا بالإضافة إلى أن الطفل يتعلم العد والحساب بالاعتماد على أصابعه و الحواس والأشياء الواقعية والإنسان البدائي أيضا في عملية حسابه كان يعتمد على الحصى من الواقع والأصابع وهذا يعني أن المفاهيم الرياضية بالنسبة إلى الأطفال والبدائيين لا تخرج عن نطاق الحواس لهذا يقول میل: "إن النقط والخطوط والدوائر الموجودة في أذهاننا هي مجرد نسخ للنقط والخطوط والدوائر التي نراها في تجربتنا الحسية"، ومنه يمكن القول إن المفاهيم الرياضية أصلها الحس أو يمكن تسميتها بعلم الملاحظة، وهذا بالإضافة إلى أن تاريخ العلوم يؤكد أن تجربة مسح الأراضي التي كان يمارسها قدماء المصريين وتقديرهم لمساحات الحقول أدى إلى نشوء الهندسة وكانوا يرسمون الأشكال الهندسية انطلاقا من محاكاتهم للأشكال الطبيعية.

النقد:
 نحن لا ننكر أهمية التجربة الحسية في تكوين المفاهيم الرياضية إلا أن العقل له دور أيضا في تحديد طبيعة وحقيقة هذه المفاهيم لأن هناك الكثير من المفاهيم الرياضية ليس لها وجود واقعي کالجذر والعدد السالب، كما أن الحواس معرضة للخطا حيث أننا نجد دیکارت يقول: "لا تطمئن لمن و لمرة واحدة وإنني اختبرت الحواس فوجدتها خادعة".

التركيب

من خلال عرضنا للموقفين يمكننا القول إن الرياضيات يعود أصلها إلى التلاؤم بين العقل والتي وجود الأفكار عقلية خالصة دون اللجوء إلى العالم الخارجي والواقع الحسي، ولا وجود للأشياء الحسية في  غياب الدور الذهني بمعنى أن المفاهيم الرياضية مرتبطة بالعقل والحواس معا لهذا قال باياجيه "المعرفة ليست معطى نهائيا جاهزا، وأن التجریب ضرورية لعملية التجريد"، أي لابد من اشتراك العقل والحواس.
لهذا يبدو لي أن ما ذهب إليه بوانکاریه هو الرأي الصحيح في قوله: "لو لم يكن في الطبيعة أجسام ما لما نشأت الهندسة ولكن الطبيعة بدون عقل مسلط عليها لا معنى لها"، ويقول أيضا سارطون: "لم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا من جهة ما هي ملتبسة باللواحق المادية"، بمعنى أن نشأة المفاهيم الرياضية يرجع إلى العقل والتجربة الحسية معا.

حل المشكلة 

نستنتج من كل التحليل السالف أنه لا يمكن للعقل وحده تفسير أصل ونشأة المفاهيم الرياضية ولا الحواس لوحدها قادرة على ذلك، لذلك وجب الجمع بينهما أي أن العقل والحواس معا متكاملان ومتمازجان یفسران نشأة مبادئ علم الرياضيات لذلك يمتنع الفصل بينهما ليس في مسألة المعارف الرياضية فحسب بل في كل أصناف المعارف الإنسانية الأخرى، حيث يقول الفيلسوف الألماني هيغل: "كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي".

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-